• جمال قريد.. استثناء جامعي

    جمال قريد.. استثناء جامعي 

    بقلم الأستاذ ناصر جابي

    06-09-2013

     

    الموت سيء في كل الفصول، فليس هناك فصل جيد أو جميل للموت، لكن أسوأ موت قد يكون في أوت، بالنسبة لأستاذ جامعي لن يتمكن طلبته وزملاؤه من توديعه في آخر رحلة له. طلبة وزملاء لن يكتشفوا غيابك إلا بعد الدخول من العطلة. كما يكتشف هذه الأيام طلبة علم الاجتماع بجامعة وهران غياب أستاذهم جمال قريد الذي غادرنا منذ أيام. جمال الذي لم يعرف مهنة إلا البحث والتدريس الجامعيين. مهنة قام بها بجدية قد يصفها البعض بأنها كانت كبيرة ومبالغا فيها في بعض الأحيان، خاصة لمن لا يعرفه عن قرب، فالرجل كان بطبعه خجولا جدا ومتحفظا في علاقاته. أخذ الحياة بجدية كالكثير من الأساتذة الجامعيين، هو ابن بسكرة (طولڤة تحديدا) المرحة التي تعد النكتة من وجباتها اليومية المفضلة، قبل الفول والدوبارة في أحيان كثيرة. جمال قريد الذي ارتبط بجامعة وهران كما يرتبط الإنسان بامرأة جميلة. جمال الذي يكون قد وجد في جامعة وهران ما لم يجده ربما في الجزائر العاصمة التي درس بها في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي. فوهران كانت ولازالت أكثـر ترحيبا وتبنيا للقادم إليها من العاصمة قليلة الترحيب والمكشرة على الدوام. وهران التي عُرف جمال قريد فيها لمدة طويلة كأستاذ جامعي وباحث متميز في علم الاجتماع والأنثربولوجيا؛ فقد كانت أطروحة دكتوراه للحلقة للدرجة الثالثة حول المؤسسة الجامعية نفسها التي كانت موضوع بحثه كمؤسسة علمية واجتماعية. هو ابن هذه الجامعة التي كبر معها وتوفي وهو يدرّس فيها. والتي أصبح من أكثـر العارفين بها، بما تعرفه من إنتاج وإعادة إنتاج لعلاقات اجتماعية ومواقع جديدة في هذه الجزائر التي تتحرك. كان يتلمسها جمال قريد في لهجة الطالب الواصل لتوّه من الهضاب العليا، ولباس الطالبة الريفية التي ”تتبلّد” بسرعة في سنتها الثانية أو الثالثة فتغير لباسها وشكلها الخارجي، وحتى مكان جلوسها في القسم تعبيرا عن هذه التحولات التي ستعيشها في الجامعة وبفعل الجامعة، في مدينة كبيرة ستعرف عديد التحولات والهزات الاجتماعية. جمال قريد الذي كان قريبا، وهو في بداية مشواره العلمي بجامعة الجزائر، من أطروحات أقصى اليسار القريب من المدرسة الماوية، انخرط بسهولة في مشروع تعريب العلوم الاجتماعية، الذي لم يكن بالنسبة له مشروعا للحط من القيمة العلمية للعلوم الاجتماعية، كما حصل للأسف فيما بعد كقاعدة عامة. فالرجل استمر في ميدان البحث بالاهتمام، بعد الجامعة، بالمصنع وعالم الشغل في تجربة رائدة شاركه في جزء منها كلا من علي الكنز والسعيد شيخي. بحث كوّنت مادته الأساسية أطروحة الدولة التي تقدم بها جمال قريد في إحدى الجامعات الباريسية. اهتمامات جمال بعالم الشغل والعمال والمصنع لم تجعله ينسى أنه مصنع جزائري بحمولته الثقافية والرمزية، فركز عليها في دراسته لنتلمس تلك المسحة الأنثربولوجية التي يعرف جمال قريد كيف يوظفها وهو ينجز تحليلاته السوسيولوجية الصارمة التي عرف بها بين طلبته وزملائه. بعض هذه الدراسات أو لنقل خلاصتها جمعها جمال قريد في كتابه ”الاستثناء الجزائري” الذي صدر عن دار القصبة منذ سنوات (2007)، والذي يعد من أحسن ما أنتجت المدرسة السوسيولوجية الجزائرية حتى الآن. ففيه لخص لنا جمال قريد فكرته حول العامل الشائع والثنائية التي تميز النخبة الجزائرية، وهو يتكلم عن ابن باديس وعباس فرحات وعن الكثير من الاستنتاجات التي جمعها جمال قريد، بعد تجربة بحث دامت أكثـر من أربعين سنة. فوداعا ”أبو ظفار”، فقد فاجأتنا مغادرتك لنا في هذا الصيف الحزين.

    :source 

    جمال قريد